فصل: المجمع الثاني وفيه وضعوا الأمانة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.بولس أول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح:

ثم قام بعده قيصر آخر. وفي زمنه جعل في أنطاكية بتركا يسمى بولس الشمشاطي وهو أول من ابتدع في شأن المسيح اللاهوت والناسوت وكانت النصارى قبله كلمتهم واحدة أنه عبد رسول مخلوق مصنوع مربوب، لا يختلف فيه اثنان منهم، فقال بولس هذا- وهو أول من أفسد دين النصارى- إن سيدنا المسيح خلق من اللاهوت إنسانا كواحد منا في جوهره، وأن ابتداء الابن من مريم، وأنه اصطف ليكون مخلصا للجوهر الإنسي صحبته النعمة الإلهية فحلت فيه بالمحبة والمشيئة، ولذلك سمى ابن الله. وقال إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد.

.المجمع الأول:

قال سعيد بن البطريق وبعد موته اجتمع ثلاثة عشر أسقفا في مدينة أنطاكية ونظروا في مقالة بولس فأوجبوا عليه اللعن فلعنوه ولعنوا من يقول بقوله وانصرفوا، ثم قام قيصر آخر فكانت النصارى في زمنه يصلون في المطامير والبيوت فزعا من الروم، ولم يكن يترك الإسكندرية يظهر خوفا أن يقتل، فقام بارون بتركا فلم يزل يداري الروم حتى بنى بالإسكندرية كنيسة، ثم قام قياصرة أخر منهم اثنان تملكا على الروم إحدى وعشرين سنة فأثارا على النصارى بلاء عظيما وعذابا أليما وشدة تجل عن الوصف من القتل والعذاب واستباحة الحريم والأموال وقتل ألوف مؤلفة من النصارى، وعذبوا مارجرجس أصناف العذاب ثم قتلوه، وفي زمنهما ضربت عنق بطرس بترك الإسكندرية، وكان له تلميذان، وكان في زمنه أريوس يقول: إن الأب وحده الله الفرد الصمد والابن مخلوق مصنوع وقد كان الأب إذ لم يكن الابن، فقال بطرس لتلميذيه: إن المسيح لعن أريوس فاحذرا أن تقبلا قوله، فأني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب، فقلت يا سيدي! من شق ثوبك؟ فقال لي أريوس فاحذروا أن تقبلوه أو يدخل معكم الكنيسة، وبعد قتل بطرس بخمس سنين صير أحد تلميذيه بتركا على الإسكندرية فأقام ستة أشهر ومات، ولما جرى على أريوس ما جرى أظهر أنه قد رجع عن مقالته فقبله هذا البترك وأدخله الكنيسة وجعله قسيسا، ثم قام قيصر آخر فجعل يتطلب النصارى ويقتلهم حتى صب الله عليه النقمة فهلك شر هلكة.
ثم قام بعده قيصران: أحدهما ملك الشام وأرض الروم وبعض الشرق، والآخر رومية وما جاورها، وكانا كالسباع الضارية على النصارى فعلا بهم من القتل والسبي والجلاء ما لم يفعله بهم ملك قبله، وملك معهما قسطنطين أبو قسطنطين، وكان دينا يبغض الأصنام محبا للنصارى، فخرج إلى ناحية الجزيرة والرها، فنزل في قرية من قرى الرها فرأى امرأة جميلة يقال لها هيلانة وكانت قد تنصرت على يدي أسقف الرها وتعلمت قراءة الكتب فخطبها قسطنطين من أبيها فزوجه إياها، فحبلت منه وولدت قسطنطين فتربى بالرها، وتعلم حكمة اليونان، وكان جميل الوجه قليل الشر محبا للحكمة، وكان عليانوس ملك الروم حينئذ رجلا فاجرا شديد البأس مبغضا للنصارى جدا، كثير القتل فيهم، محبا للنساء، لم يترك للنصارى بنتا جميلة إلا أفسدها وكذلك أصحابه، وكان النصارى في جهد جهيد معه، فبلغه خبر قسطنطين وأنه غلام هاد قليل الشر كثير العلم، وأخبره المنجمون والكهنة أنه سيملك ملكا عظيما فهم بقتله فهرب قسطنطين من الرها، ووصل إلى أبيه فسلم إليه الملك، ثم مات أبوه، وصب الله على عليانوس أنواعا من البلاء حتى تعجب الناس مما ناله ورحمه أعداؤه مما حل به، فرجع إلى نفسه وقال لعل هذا بسبب ظلم النصارى فكتب إلى جميع عماله أن يطلقوا النصارى من الحبوس، وأن يكرموهم ويسألوهم أن يدعوا له في صلواتهم، فوهب الله له العافية ورجع إلى أفضل ما كان عليه من الصحة والقوة، فلما صح وقوي رجع إلى شر مما كان عليه، وكتب إلى عماله أن يقتلوا النصارى ولا يدعوا في مملكته نصرانيا ولا يسكنوا له مدينة ولا قرية، فكان القتلى يحملون على العجل ويرمى بهم في البحر والصحارى. وأما قيصر الآخر الذي كان معه فكان شديدا على النصارى، واستعبد من كان برومية من النصارى، ونهب أموالهم، وقتل رجالهم ونساءهم وصبيانهم.

.أول من ابتدع شارة الصليب قسطنطين:

فلما سمع أهل رومية بقسطنطين وأنه مبغض للشر محب للخير وأن أهل مملكته معه في هدوء وسلامة كتب رؤساءهم إليه يسألونه أن يخلصهم من عبودية ملكهم، فلما قرأ كتبهم اغتم غما شديدا وبقي متحيرا لا يدري كيف يصنع. قال سعيد بن البطريق فظهر له على ما يزعم النصارى نصف النهار في السماء صليب من كوكب مكتوبا حوله: بهذا تغلب. فقال لأصحابه رأيتم ما رأيت؟ قالوا نعم، فآمن حينئذ بالنصرانية، فتجهز لمحاربة قيصر المذكور، وصنع صليبا كبيرا من ذهب وصيره على رأس البند، وخرج بأصحابه فأعطى النصر على قيصر فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وهرب الملك ومن بقي من أصحابه، فخرج أهل رومية إلى قسطنطين بالإكليل الذهب وبكل أنواع اللهو واللعب فتلقوه وفرحوا به فرحا عظيما، فلما دخل المدينة أكرم النصارى وردهم إلى بلادهم بعد النفي والتشريد، وأقام أهل رومية سبعة أيام يعيدون للملك وللصليب، فلما سمع عليانوس جمع جموعه وتجهز للقتال مع قسطنطين، فلما وقعت العين في العين انهزموا وأخذتهم السيوف، وأفلت عليانوس فلم يزل من قرية إلى قرية حتى وصل إلى بلده، فجمع السحرة والكهنة والعرافين الذين كان يحبهم ويقبل منهم فضرب أعناقهم لئلا يقعوا في يد قسطنطين، وأمر ببناء الكنائس، وأقام في كل بلد من بيت المال الخراج فيما تعمل به أبنية الكنائس، وقام بدين النصرانية حتى ضرب بجرانه في زمانه، فلما تم له خمس عشر سنة من مكله حاج النصارى في أمر المسيح واضطربوا، فأمر بالمجمع في مدينة نيقية وهي التي رتبت فيها الأمانة بعد هذا المجمع، كما سيأتي فأراد أريوس أن يدخل معهم فمنعه بترك الإسكندرية، وقال أن بطرسا قال لهم إن الله لعن أريوس أن يدخل معهم فمنعه بترك الإسكندرية، وقال أن بطرسا قال لهم إن الله لعن أريوس فلا تقبلوه ولا تدخلوه الكنيسة، وكان على مدينة أسيوط من عمل مصر أسقف يقول بقول أريوس فلعنه أيضا، وكان بالإسكندرية هيكل عظيم على اسم زحل وكان فيه صنم من نحاس يسمى ميكائيل، وكان أهل مصر والإسكندرية في اثني عشر يوما من شهر هتور وهو تشرين الثاني يعيدون لذلك الصنم عيدا عظيما ويذبحون له الذبائح الكثيرة فلما ظهرت النصرانية بالإسكندرية أراد بتركها أن يكسر الصنم ويبطل الذبائح له، فامتنع عليه أهلها، فاحتال عليهم بحيلة، وقال: لو جعلتم هذا العيد لميكائيل ملك الله لكان أولى فإن هذا الصنم لا ينفع ولا يضر فأجابوه إلى ذلك، فكسر الصنم وجعل منه صليبا ولعنه وخرج آريوس مستعديا عليه ومعه أسقفان فاستغاثوا إلى قسطنطين، وقال أريوس أنه تعدى على وأخرجني من الكنيسة ظلما، وسئل الملك أن يشخص بترك الإسكندرية يناظره قدام الملك، فوجه قسطنطين برسول إلى الإسكندرية فأشخص البترك وجمع بينه وبين آريوس ليناظره فقال قسطنطين لآريوس اشرح مقالتك قال أريوس: أقول أن الأب كان إذ لم يكن الابن، ثم انه أحدث الابن فكان كلمة له إلا أنه محدث مخلوق، ثم فوض الأمر إلى ذلك الابن المسمى كلمة، فكان هو خالق السموات والأرض وما بينهما، كما قال في إنجيله إن يقول وهب لي سلطانا على السماء والأرض فكان هو الخالق لهما بما أعطى من ذلك، ثم إن الكلمة تجسدت من مريم العذراء ومن روح القدس فصار ذلك مسيحا واحدا، فالمسيح الآن معنيان كلمة وجسد إلا أنهما جميعا مخلوقان. فأجابه عند ذلك مسيحا واحدا، فالمسيح الآن معنيان كلمة وجسد إلا أنهما جميعا مخلوقان. فأجابه عند ذلك بترك الإسكندرية، وقال: تخبرنا الآن أيما أوجب علينا عندك عبادة من خلقنا أو عبادة من لم يخلقنا؟ قال أريوس بل عبادة من خلقنا، فقال له البترك فإن كان خالقنا الابن كما وصفت وكان الابن مخلوقا فعبادة الابن المخلوق أوجب من عبادة الأب الذي ليس بخالق؛ بل تصير عبادة الأب الذي خلق الابن كفرا وعبادة الابن المخلوق إيمانا، وذلك من أقبح الأقاويل. فاستحسن الملك وكل من حضر مقالة البترك، وشنع عندهم مقالة أريوس، ودارت بينهما أيضا مسائل كثيرة، فأمر قسطنطين البترك أن يكفر أريوس، وكل من قال بمقالته، فقال له بل يوجه الملك بشخص للبتاركة والأساقفة حتى يكون لنا مجمع ونصنع فيه قضية ويكفر أريوس ويشرح الدين ويوضحه للناس.

.المجمع الثاني وفيه وضعوا الأمانة:

فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان فجمع البتاركة والأساقفة فاجتمع في مدينة نيقية بعد سنة وشهرين ألفان وثمانية وأربعون أسقفا، فكانوا مختلفي الآراء، مختلفي الأديان. فمنهم من يقول: المسيح ومريم إلهان من دون الله وهم المريمانية ومنهم من يقول: المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار تعلقت من شعلة نار فلم ينقص الأولى لا يقاد الثانية منها. ومنهم من كان يقول لم تحبل مريم لتسعة أشهر وإنما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في الميزاب؛ لأن كلمة الله دخلت من أذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها وهذه مقالة الباد وأشياعه ومنهم من كان يقول أن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وأن ابتداء الابن من مريم، وأنه اصطفى ليكون مخلصا للجواهر الإنسية صحبته النعمة الإلهية فحلت منه بالمحبة والمشيئة فلذلك سمى ابن الله، ويقولون أن الله جوهر واحد وأقنوم واحد ويسمونه بثلاثة أسماء ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس وهذه مقالة بولص وأشياعه ومنهم من كان يقول ثلاثة آلهة لم تزل صالح وطالح وعدل بينهما هذه مقالة مرقيون وأشياعه ومنهم من يقول: ربنا هو المسيح، وهي مقالة ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا قال ابن البطريق: ولما سمع قسطنطين الملك مقالتهم عجب من ذلك وأخلى لهم دارا وتقدم لهم بالإكرام والضيافة، وأمرهم أن يتناظروا فيما بينهم لينظر من معه الحق فيتبعه، فاتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا على دين واحد ورأى واحد وناظروا بقية الأساقفة بقية الأساقفة المختلفين ففلجوا عليهم في المناظرة، وكان باقي الأساقفة مختلفي الآراء والأديان فصنع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفا مجلسا عظيما وجلس في وسطه وأخذ خاتمه وسيفه وقضيبه فدفع ذلك إليهم، وقال لهم قد سلطتكم اليوم على المملكة فاصنعوا ما بدا لكم وما ينبغي لكم أن تضيعوا ما فيه قوام الدين وصلاح الأمة، فباركوا على الملك وقلدوه سيفه، وقالوا له: أظهر دين النصرانية وذب عنه، ووضعوا له أربعين كتابا فيها السنن والشرائع وفيها ما يصلح أن يعمل به الأساقفة وما يصلح للملك أن يعمل بما فيها، وكان رئيس القوم والمجمع والمقدم فيه بترك الإسكندرية وبترك أنطاكية وأسقف بيت المقدس، ووجه بترك رومية من عنده رجلين فاتفق الكل على لعن أريوس وأصحابه ولعنوه وكل من قال بمقالته، ووضعوا الأمانة وقالوا أن الابن مولود من الأب قبل كون الخلائق وأن الابن من طبيعة الأب غير مخلوق، واتفقوا على أن يكون فصح النصارى يوم الأحد ليكون بعد فصح اليهود، وأن لا يكون فصح اليهود مع فصحهم في يوم واحد، ومنعوا أن يكون للأسقف زوجة، وذلك أن الأساقفة منذ وقت الحواريين إلى مجمع الثلاثمائة وثمانية عشر كان لهم نساء؛ لأنهم كانوا إذا صيروا واحدا أسقفا وكانت له زوجة ثبتت معه ولم تنح عنه ما خلا البتاركة فإنهم لم يكن لهم نساء، ولا كانوا أيضا يصيرون أحدا له زوجة بتركا، قال وانصرفوا مكرمين محظوظين، وذلك في سبعة عشر سنة من ملك قسطنطين الملك، ومكث بعد ذلك ثلاث سنين أحداها كسر الأصنام وقتل من يعبدها والثانية أمر أن لا يثبت في الديوان إلا أولاد النصارى، ويكونون هم الأمراء والقواد والثالثة أن يقيم للناس جمعة الفصح والجمعة التي بعدها لا يعملون فيها عملا ولا يكون فيها حرب، وتقدم قسطنطين إلى أسقف بيت المقدس أن يطلب موضع المقبرة والصليب ويبني الكنائس، ويبدأ ببناء القيامة، فقالت هيلانة أمه إني نذرت أن أسير إلى بيت المقدس وأطلب المواضع المقدسة وأبنيها، فدفع إليها الملك أموالا جزيلة، وسارت مع أسقف بيت المقدس، فبنت كنيسة القيامة في موضع الصليب وكنيسة قسطنطين.
ثم اجتمعوا بعد هذا مجمعا عظيما ببيت المقدس، وكان معهم رجل دسه بترك القسطنطينية وجماعة معه ليسألوا بترك الإسكندرية، وكان هذا الرجل لما رجع إلى الملك أظهر أنه مخالف لآريوس، وكان يرى رأيه ويقول بمقالته، فقام الرجل وقال أن أريوس لم يقل أن المسيح خلق الإنسان ولكن قال به خلقت الأشياء لأنه كلمة الله التي بها خلقت السموات والأرض، وإنما خلق الله الأشياء بكلمته، ولم تخلق الأشياء كلمته كما قال المسيح في الإنجيل كل بيده كان ومن دونه لم يكن شيء وقال به كانت الحياة والحياة نور البشر وقال العالم به يكون فأخبر أن الأشياء به تكونت. قال ابن البطريق فهذه كانت مقالة أريوس ولكن الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا تعدوا عليه وحرفوه ظلما وعدوانا، فرد عليه بترك الإسكندرية وقال أما أريوس فلم تكذب عليه الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا ولا ظلموه لأنه إنما قال الابن خالق الأشياء دون الأب، وإذا كانت الأشياء إنما خلقت بالابن دون أن يكون الأب لها خالقا فقد أعطى أنه ما خلق منها شيئا، وفي ذلك تكذيب قوله: الأب يخلق، وأنا أخلق وقال إن أنا لم أعمل عمل أبي فلا تصدقوني وقال كما أن الأب يحيي من يشاء ويميته كذلك الابن يحيي من يشاء ويميته قالوا فدل على أنه يحيي ويخلق، وفي هذا تكذيب لمن زعم أنه ليس بخالق وإنما خلقت الأشياء به دون أن يكون خالقا. وأما قولك: إن الأشياء كونت به فأنا لما قلنا لا شك أن المسيح حي فعال وكان قد دل بقوله إني أفعل الخلق والحياة كان قولك: به كوت الأشياء إنما هو راجع في لمعنى إلى أنه كونها وكانت به مكونة، ولو لم يكن ذلك لتناقض القولان. قال: وأما قول من قال من أصحاب أريوس: إن الأب يريد الشيء فيكونه الابن والإرادة للأب والتكوين للابن فإن ذلك يفسد أيضا إذا كان الابن عنده مخلوقا فقد صار حظ المخلوق في الخلق أوفى من حظ الخالق فيه، وذلك أن هذا أراد وفعل وذلك أراد ولم يفعل فهذا أوفر حظا في فعله من ذلك، ولا بد لهذا أن يكون في فعله لما يريد ذلك بمنزلة كل فاعل من الخلق لما يريد الخالق منه، ويكون حكمه كحكمه في الخير والاختيار، فإن كان مجبورا فلا شيء له في الفعل، وإن كان مختارا فجائز أن يطاع وجائز أن يعصى، وجائز أن يثاب وجائز أن يعاقب. وهذا أشنع في القول، ورد عليه أيضا وقال: إن كان الخلاق إنما خلق خلقه بمخلوق والمخلوق غير الخالق بلا شك فقد زعمتم أن الخالق يفعل بغيره والفاعل بغيره محتاج إلى متمم ليفعل به إذ كان لا يتم له الفعل إلا به، والمحتاج إلى غيره منقوص والخالق متعال عن هذا كله. قال فلما دحض بترك الإسكندرية حجج أولئك المخالفين وظهر لمن حضر بطلان قولهم، وتحيروا وخجلوا فوثبوا على بترك الإسكندرية فضربوه حتى كاد يموت، فخلصه من أيديهم ابن أخت قسطنطين، وهرب بترك الإسكندرية وصار إلى بيت المقدس من غير حضور أحد من الأساقفة، ثم أصلح دهن الميرون وقدس الكنائس ومسحها بدهن الميرون، وسار إلى الملك فأعلمه الخبر فصرفه إلى الإسكندرية. قال ابن البطريق: وأمر الملك أن لا يسكن يهودي يبيت المقدس ولا يجوز بها ومن لم يتنصر قتل، فظهر دين النصرانية وتنصر من اليهود خلق، فقيل للملك: إن اليهود يتنصرون من خوف القتل وهم على دينهم، فقال كيف لنا أن نعلم ذلك منهم؟ فقال بولس البترك: أن الخنزير في التوراة حرام واليهود لا يأكلون لحم الخنزير، فأمر أن تذبح الخنازير ويطبخ لحومها ويطعم منها فمن لم يأكل منه علم أنه مقيم على دين اليهودية، فقال الملك إذا كان الخنزير في التوراة حراما فكيف يحل لنا أن نأكله ونطعمه الناس؟ فقال له بولس: إن سيدنا المسيح قد أبطل كل ما في التوراة، وجاء بنواميس أخر وبتوراة جديدة وهو الإنجيل، وفي إنجيله إن كل ما يدخل البطن فليس بحرام ولا نجس، وإنما ينجس الإنسان ما يخرج من فيه وقال يونس: إن بطرس رئيس الحواريين بينما هو يصلي في ست ساعات من النهار وقع عليه سبات فنظر إلى السماء قد تفتحت، وإذا زاد قد نزل من السماء حتى بلغ الأرض، وفيه كل ذي أربع قوائم على الأرض من السباع والدواب وغير ذلك من طير السماء، وسمع صوتا يقول له: يا بطرس قم فاذبح وكل، فقال بطرس: يا رب ما أكلت شيئا نجسا قط ولا دنسا قط، فجاء صوت ثان كل ما طهره الله فليس بنجس، وفي نسخة أخرى ما طهره الله فلا تنجسه أنت، ثم جاءه الصوت بهذا ثلاث مرات، ثم إن الزاد ارتفع إلى السماء، فتعجب بطرس وتحير فيما بينه وبين نفسه، فأمر الملك أن تذبح الخنازير وتطبخ لحومها وتقطع صغارا وتصير على أبواب الكنائس في كل مملكته يوم أحد الفصح، وكل من خرج من الكنيسة يلقم لقمة من لحم الخنازير، فمن لم يأكل منه يقتل فقتل لأجل ذلك خلق كثير، ثم هلك قسطنطين وقام بعده أكبر أولاده واسمه قسطنطين وفي أيامه اجتمع أصحاب أريوس ومن قال بمقالته إليه فحسنوا لهم دينهم ومقالتهم وقالوا إن الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا الذين كانوا اجتمعوا بنيقية قد أخطأوا وحادوا عن الحق في قولهم إن الابن متفق مع الأب في الجوهر، فأمر أن لا يقال هذا فأنه خطأ، فعزم الملك على فعله، فكتب إليه أسقف بيت المقدس أن لا يقبل قول أصحاب أريوس فإنهم حائدون عن الحق وكفار، وقد لعنهم الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا ولعنوا كل من يقول بمقالتهم فقبل قوله. قال ابن البطريق: وفي ذلك الوقت أعلنت مقالة أريوس على قسطنطينية وأنطاكية والإسكندرية، وفي ثاني سنة من ملك قسطنطين هذا صار على أنطاكية بترك آريوسي ثم بعده آخر مثله، قال: وأما أهل مصر والإسكندرية وكان أكثرهم آريوسيين ومانيين فغلبوا على كنائس مصر فأخذوها، ووثبوا على بترك الإسكندرية ليقتلوه فهرب منهم واستخفى. ثم ذكر جماعة من البتاركة والأساقفة من طوائف النصارى وما جرى لهم مع بعضهم بعضا، وما تعصبت به كل طائفة لبتركها حتى قتل بعضهم بعضا واختلف النصارى أشد الاختلاف وكثرت مقالاتهم واجتمعوا عدة مجامع كل مجمع يلعن فيه بعضهم بعضا ونحن نذكر بعض مجامعهم بعد هذين المجمعين.